كما هو الحال في مجال بناء السّلام، حيث يمكن أن يكون النّزاع مدّمرًا ومنتجًا على حدّ سواء، فإنّ النّزاع هو قوّة ثابتة وضروريّة في الحفاظ على ديمقراطيّة سليمة. وهذا يؤكّد حقيقة وجود بعدين رئيسيّين للدّيمقراطية: التّنافس والمشاركة. فالدّيمقراطية في جوهرها هي سباق أفكارٍ أو تنافسُ بين رؤى مختلفة حول المستقبل. ومن الناحية المثاليّة، سيكون للخلاف أو التّنافس المتأصّل في الدّيمقراطيات دوره الكبير من خلال عمليّات المشاركة والتّمثيل والمساءلة والشّفافيّة والاستجابة للمواطنين.

من جانب آخر، يوجد تحت سطح تلك المنافسة السّلميّة غير المؤكّدة نزاع عميق الجذور، وإمكانيّة اندلاع أعمال عنف. ولا توجد دولة ديمقراطيّة في مأمن من تحوّل الخلاف إلى العنف، مثلما شهد العالم ذلك في 6 يناير/كانون الثّاني من عام 2021 عندما استاء مثيري الشّغب من خسارة مرشّحهم المفضّل للانتخابات الرّئاسيّة، وهاجموا مبنى الكابيتول الأمريكيّ.

لقد شهدت كينيا عنفًا انتخابيّا كبيرًا على مدار العشرين عامًا الماضية. وفي الفيديو التّالي ، سترى العواقب واسعة النّطاق التي تنجم عن التّنافس السّياسيّ عندما يتحوّل إلى عنف، وعندما يُنظر إلى العمليّة السّياسيّة على أنّها غير عادلة ومزوّرة وغير شفّافة.

إنّ درء العنف الانتخابيّ ليس مجرّد مسألة وقفٍ أو منعٍ للعنف، بل هو في الواقع جهود متضافرة لإدارة الخلاف السّياسيّ والتّنافس بطريقة غير عنيفة ومنصفة. وهذا اعتبار مهمّ عند العمل على منع اندلاع العنف قبل الانتخابات أو خلالها أو بعدها. فغالبًا ما تكون الانتخابات بحدّ ذاتها مجرّد منعرج يحوّل الخلاف من مثمر إلى مدّمر. وهذا صحيح بشكل خاصّ عندما يُنظر إلى الانتخابات والعمليّات الدّيمقراطيّة على أنّها مجموع صفريّ (zero-sum) – أي أنّ فوز أحد الأطراف، يعني ضرورة أن يخسر الطّرف الآخر. كما يُنظر غالبًا إلى الانتخابات أيضًا على أنّها منافسات وجوديّة – أي أنّ وجود شعب أو مجموعة، أو قدرة مجموعة على التّحكّم في مصيرها أو وجودها، على المحكّ. ذلك أنّ "الخاسرين" لا يشعرون أنّه سيتمّ ضمان حقوقهم أو يعتقدون أنهم سيفقدون السّلطة، وبالتّالي، فقدان قدرتهم على التّأثير في المستقبل.

في عام 2017، بعد عشر سنوات من العنف الانتخابيّ الواسع النّطاق في كينيا عام 2007، كان هناك قلق كبير من انزلاق انتخابات وطنيّة أخرى إلى أعمال عنف. وتُظهر القصّة في هذا الفيديو كيف استعدّ الكينيّون والمجتمع الدّوليّ لانتخابات عام 2017.

فاز الرّئيس كينياتا في الانتخابات بنسبة 54٪ من الأصوات. لكنّ مرشّح المعارضة الخاسر رايلا أودينجا استأنف أمام المحكمة العليا الكينيّة مدّعيا أنّ الانتخابات كانت مزوّرة، وألغت المحكمة بعد ذلك نتائج الانتخابات. ثمّ كان من المقرّر إجراء انتخابات جديدة في أكتوبر / تشرين الأوّل، لكنّ رايلا أودينجا شعر بأنّ هذه الانتخابات ستكون مزوّرة وقاطعها وفاز كينياتا بأغلبيّة ساحقة لأنّ أنصار أودينجا لم يصوّتوا. وفي حين أنّ العنف حول انتخابات عام 2017 كان أقلّ بكثير ممّا حدث في عام 2007، إلاّ أنّ الجهود المناهضة للدّيمقراطية تذهب إلى ما هو أبعد من تزوير الانتخابات أو استهداف أنصار الطّرف الآخر قبل الانتخابات أو خلالها أو بعدها. كما أنّ المشاركة الدّيمقراطية تتعرّض، ولا سيّما نشطاء المجتمع المدنيّ، لتهديد مستمرّ. ففي العديد من البلدان مثل كينيا، تخضع المنظّمات غير الحكوميّة لرقابة صارمة من قبل الحكومة. وغالبًا ما يتعرّضون للمضايقة أو الحظر ويتعرّضون بشكل متزايد لتهم ملفّقة مثل غسيل الأموال، أو التّهرب الضّريّبيّ، أو الحسابات المصرفيّة غير القانونيّة، أو تمويل الأحزاب السياسيّة، أو توظيف الأجانب دون تصاريح عمل.

وكما ستظهر هذه الدّورة التّدريبيّة، فإنّ الافتقار إلى التّعدّدية وغياب مجتمع مدنيّ قويّ، فضلاً عن الافتقار إلى التّمثيل والشّفافية والمساءلة والمشاركة السياسيّة، يمهّد الأسس للعنف السّياسيّ، وتحوّل الانتخابات غالبا لتكون النّقطة المحوريّة.


الصفحة التالية  الصفحة السابقة